Total Pageviews

Jun 10, 2012

التربية الجنسية



بقلم: الدكتور سامر جميل رضوان

         مدخل


تهدف التربية السكانية إلى تعريف السكان بالظاهرات السكانية من حيث أسبابها والعوامل التي تتحكم فيها والآثار المترتبة عليها والعلاقات التي تربطها وتوجيه هذه المعرفة نحو تكوين اتجاهات ومواقف تؤثر في سلوك الأفراد لتحسين نوعية الحياة للفرد والأسرة والمجتمع.

وهي من هذه الناحية ومن أجل تحقيق أهدافها لابد من أن تستخدم معارف من العلوم الإنسانية بجميع فروعها وخصوصاً علم النفس وبشكل أخص معارف من الصحة النفسية وعلم نفس الصحة والصحة العامة. فهذه العلوم تتجه بالدرجة الأولى إلى تحليل سلوك الإنسان وخبرته وتدرس الإنسان في تفاعله وتواصله مع المحيط البيئي والاجتماعي من حيث هو كائن اجتماعي يعيش في إطار محدد اجتماعياً سواء كان هذا الإطار المجتمع الكبير أم الأسرة أم مجموعة العمل أو المؤسسة التي ينتمي إليها هذا الفرد ، مع مراعاة المحددات الفيزيولوجية و البيولوجية. ويعتمد تحقيق أهداف التربية السكانية ، أي تحقيق التأثير في سلوك الأفراد بهدف بناء مواقف واتجاهات إيجابية نحو الحياة على العلوم النفسية بالدرجة الأولى والمعارف التي تقدمها مختلف فروعه في هذا المجال. وإن أية سياسة سكانية تتجاهل هذا الجانب لابد وأن تفشل في تحقيق أهدافها.

ويفترض لأية سياسة سكانية تهدف إلى وضع الإطار العام من أجل صياغة السياسة العامة في مجال توزع وانتشار وتفاعل السكان ، بغض النظر عن الهدف سواء كان أسرياً أم تنموياً-اقتصادياً أم بيئياً أم ثقافياً ألاَ تتجاهل الجانب الصحي الوقائي في جميع وجوهه. وهنا يمكن النظر إلى علم نفس الصحة
Health Psychology وعلم الصحة النفسية Mental Health على أنهما جزء أساس من التربية السكانية ذلك أنهما فرعان متكاملان يهدفان إلى المحافظة على الصحة وتنميتها والوقاية من الأمراض ومعالجتها وتحديد أنماط السلوك الخطرة وتشخيص و تحديد أسباب الاضطرابات الصحية وتحسين أنظمة التأمين والرعاية الصحية وتقديم وسائل الدعم النفسي والإرشاد والتوجيه والعلاج من أجل تحسين نوعية الحياة. ومن هنا فعلم الصحة النفسية وعلم نفس الصحة يسهمان في إمداد العاملين والمعنيين في مجال التربية عموماً والتربية السكانية خصوصاً بالمعلومات اللازمة والضرورية حول مدى توزع وانتشار الأمراض والاضطرابات النفسية والنفسية الجسمية ومدى انتشار الإعاقات والأمراض الوراثية والأمراض الناجمة عن البيئة التي تعيق نمو وتطور الإنسان النفسي والاجتماعي والبيولوجي كما وتمدهم بالمعلومات اللازمة حول مدى انتشار المشكلات النفسية والاجتماعية وبالمعلومات الصحية الضرورية حول السلوك الصحي السليم وبكيفية خلق وتدعيم الدوافع من أجل تحقيق التوازن التكيفي اجتماعياً ونفسياً وبيولوجياً. وحين نتحدث عن السكان والتربية السكانية نجد أن المعنيين من معدي البرامج التربوية والإعلامية يحرصون دائماً على عدم ذكر العلاقات الجنسية . ويتم الحديث عن الزواج والطلاق واختيار الشريك والمشكلات الزواجية والزوجية وتنظيم الأسرة دون الإشارة ولو بكلمة واحدة إلى الجنس لاعتقادهم بأن ذلك يتنافى مع تعاليم الدين أو لخوفهم وخجلهم من التعرض لهذا الموضوع. إن هذا السلوك مهما كانت الجهة التي تقوم به ليس إلاّ تعبير عن عدم الحس بالمسؤولية ، إذ أنه بذلك يترك الناس للجهل ويتم هدر طاقاتهم وإمكاناتهم ،وفريسة للمعلومات الخاطئة التي يمكن الحصول عليها من مصادر متعددة.

وإدخال التربية الجنسية في جميع مراحل التعليم وبرامج التوعية والتثقيف لا يعتبر ضرورة اجتماعية ونفسية فحسب وإنما يعتبر ضرورة بيئية وصحية كذلك بعد أن أصبح الانفجار السكاني مشكلة العصر والأمراض الناجمة عن الجهل الجنسي طاعوناً يهدد السكان ويهدد الموارد ويجعل حتى أغنى الدول عاجزة اقتصاديا أمام النهوض بأعباء العلاج.

ومعالجتنا للمشكلة عن طريق التجاهل والتصرف كما لو أن المشكلة غير موجودة وقمعها في زمن المتغيرات السريعة سواء كان ذلك باسم الدين - والذي لا أساس له في الدين أصلاً - أم عن طريق الأعراف والعادات والتقاليد أم عن طريق تلقين الجيل قوالب جامدة وتصورات هوامية غير واقعية وشعارات فارغة حول الحياة لم تقد حتى الآن إلى حل بل إلى تفاقم للمشكلة وعلينا بحث البدائل المتمثلة في تمكين الشباب من التزود بالمعارف والمواقف والمهارات اللازمة من أجل إدارة حياة صحية و نفسية سليمة في عصر الوفرة المعلوماتية التي أتاحها لنا التقدم الإنساني كالإنترنيت و الفضائيات .

إننا نرى أن الإشكالية التربوية تكمن الكيفية التي يجب أن نعالج فيها هذه المشكلة وأن نساعد الأطفال واليافعين في هذا المجال. وهنا لابد من تحديد استراتيجية قصيرة وبعيدة المدى بنفس الوقت تتعلق بالتربية السكانية الجنسية.

ومن أهداف هذه التربية السكانية الجنسية التوعية الجنسية التي تسعى إلى بناء اتجاهات سليمة لدى الناشئة نحو الجنس والأمور الجنسية ضمن شروط المجتمع الذي يعيشون فيه . وتلك ليست بإشكالية سهلة في كل الأحوال.


وتتميز الجنسية بالنسبة للإنسان بمظاهر مختلفة تميزه عن بقية المخلوقات لابد من أخذها دائماً بعين الاعتبار بشكل تفاعلي عند وضع وتخطيط برامج التربية الجنسية لأن الاقتصار على جانب واحد وتجاهل الجوانب الأخرى يمكن أن يقود إلى عواقب تربوية ونفسية سلبية:

1- مظهراً بيولوجياً، كشرط لإعادة الإنتاج ( للتوالد )

2- مظهراً ذاتياً كخبرة إنسانية

3- مظهراً تفاعلياً من خلال التواصل التشاركي.

ومن خلال المظهرين الأخيرين يتميز السلوك الجنسي الإنساني عن الحيواني بصورة جوهرية فالتوجيه الغريزي للدافع الجنسي عند الإنسان منخفض جداً وغير مرتبط بفترة زمنية محددة والحاجة للتكاثر منفصلة عند الإنسان عن الحاجة للإشباع الجنسي.

والتكيف مع المحيط ونمط السلوك الجنسي وطبيعته تتحدد بصورة جوهرية من خلال عمليات التعلم التي تتأثر بدرجة كبيرة بالبنية الاجتماعية السائدة.

الجنسية والصحة

لقد أصبح من المؤكد اليوم أكثر مما مضى أن المشكلات في مجال الجنسية الإنسانية هي ذات تأثير كبير الأهمية على صحة الفرد الجسدية والنفسية وعلى شعوره بالرضا والسعادة وأن هناك روابط شديدة بين الجهل الجنسي والتصورات الخاطئة حول الجنس وبين المشكلات والاضطرابات الصحية المختلفة.

وقد اهتمت منظمة الصحة العالمية بهذه العلاقات ووضعت تعريفاً للصحة الجنسية حددته كما يلي:

الصحة الجنسية هي تكامل الوجوه الجسدية والعاطفية والفكرية والصحية للهناء الجنسي، الذي تثرى وتنمو من خلاله الشخصية والعلاقات بالناس الآخرين والقدرة على الحب عند الفرد بالمعنى الإيجابي.

ويحتوي هذا التصور على ثلاثة عناصر أساسية :

1) القدرة على السلوك التكاثري والجنسي وفقاً للمعايير الدينية و الاجتماعية والأخلاقية والشخصية السائدة في كل مجتمع.

2) التخلص من القلق والخجل والذنب والتصورات الخاطئة والعوامل النفسية الأخرى التي تكف الحياة الجنسية وتلحق الضرر بالعلاقات الجنسية.

3) الخلو من الاضطرابات والأمراض والعيوب الجسدية التي تلحق الضرر بالوظائف الجنسية والتكاثرية.



ويرتبط تحقيق هذا التصور بشرط محدد مثل توفر إيصال المعلومات الأساسية حول الوجوه البيولوجية والنفسية وحول النمو الجنسي والتكاثر الإنساني وتنوع السلوك الجنسي واضطراب الوظائف والأمراض الجنسية. عدا عن ذلك يجب أن يبدي المعلم والطبيب والمتخصص النفسي تجاه الشكاوى المتعلقة بالأسئلة والمسائل الجنسية تفهماً وموضوعية وأن يكون بالإضافة إلى ذلك مستعداً للحديث حول المشكلة الجنسية وتقديم المعلومات العلمية والإرشاد والتوجيه والنصح ومعالجة الاضطرابات الجنسية في حالة الضرورة أو إحالتها إلى متخصص.

التوعية والتربية الجنسية

تهدف التربية باعتبارها وظيفة اجتماعية إلى أن ينمي أفراد هذا المجتمع أو أعضاء هذه المجموعة داخل هذا المجتمع أنماط السلوك التي تتناسب مع ذلك المجتمع أو تلك المجموعة أو الفئة الحاكمة المسيطرة. وكون التربية عملية اجتماعية فإن ذلك يحمل الأسرة والمدرسة المهمة الرئيسية في صياغة التربية . وتقوم المدرسة في مجرى النمو بعملية تمايز مهمات التربية كالتربية المعرفية والجسمية والجمالية.

ويعد التأهيل والتربية الجنسية جزءاً من الإعداد للحياة والحياة التشاركية والزواج والأسرة. ومن هنا فإن التربية الجنسية يجب أن تهدف إلى :

1- تمكين الفرد من بناء علاقاته الزوجية والأسرية بحيث تتم هذه التربية بشكل ينمي الشخصية والتشارك. وتتعلق أهداف هذه التربية بالعلاقات الاجتماعية وبالمعايير الاجتماعية التي تقوم عليها هذه العلاقات بالنظر للروابط البين إنسانية وتوزع الأدوار.

2- تمكين الفرد من تنمية علاقاته بالجنس الآخر وأن يجد في هذه العلاقات تنمية ذات مغزى لحياته وحياة شريكه .

3- ينبغي لأهداف التربية الجنسية تقديم المعرفة اللازمة حول جنسية الفرد الذاتية وحول خصائص الجنس الآخر وحول المشكلات الخاصة بالعلاقات الجنسية وكذلك تقديم المعرفة حول ديناميكية الحياة الزوجية والأسرية . وتعتبر هذه المعارف الشروط الأساسية للبناء الموفق والواعي للحياة الزواجية و الزوجية والأسرية.

4- وأخيراً تمكين الناشئة باعتبارها أسرة في المستقبل تحضير أطفالهم من خلال سلوكهم المثالي الذاتي والتربية الجيدة العامة والخاصة من كيفية التعامل مع الجنس الآخر.



بالإضافة إلى ذلك لابد للتربية الجنسية من الانطلاق من :

n موضوع التساوي بين الجنسين في مجال العلاقات الزوجية والجنسية كأمر أساسي وحتمي من أجل إدارة حياة زوجية وزواجية وأسرية موفقة ولنا في سلوك وأحاديث الرسول العربي صلى الله عليه وسلم قدوة تربوية في هذا المجال فالسيرة النبوية غنية بكثير من المواقف التي كان يقدم فيها النبي e المثل الأعلى من خلال سلوكه الشخصي ومن خلال حث الناس على التمثل والإقتداء به.

n أن الزواج وفق ما أقرته الشرائع السماوية هو الشكل الأكمل فيما يتعلق بالنمو والتطور الاجتماعي الراهن والمستقبلي ، إذ أنه الشكل الأمثل الذي يضمن مصالح الأزواج والأطفال والمجتمع. ومن هنا يجب إدراك الإخلاص الزواجي كقيمة أساسية من قيم الحياة الزوجية.

n أن تتصف العلاقات الزوجية بالاعتراف والمسؤولية تجاه الآخر .

n أن العلاقات الجنسية الزوجية تتضمن في العادة علاقة جنسية حميمة تهدف إلى تحقيق السعادة والراحة للطرفين.

n أن مسؤولية الجيل الأكبر أمام الناشئة تتمثل كذلك في التحضير والإعداد لمواجهة مشكلات الحياة الزوجية والزواجية والأسرية وذلك من خلال تقديم المساعدة الكافية من خلال التأهيل والتوعية والتأهيل التربوي.



ويمكن اعتبار هذه المقولات قيم توجه عامة، إلاّ أنها تمتلك في الوقت نفسه وظيفة مساعدة في التوجه والقرار بالنسبة للتربية الذاتية للناشئ.

وعادة ما يستند المربون في تأثيرهم إلى التوجهات والنصائح والأوامر التي يقدمها الدين حول تنظيم العلاقات الجنسية والزوجية باعتبارها إطار توجه أخلاقي للمجتمع تمتلك قيمة مركزية في حياة الناس. وهم في هذا المجال لا غنى لهم عن الفقهاء ورجال الدين والأطباء وعلماء النفس وأصحاب القرار السياسي لتحديد الشكل الأمثل على المستوى الروحي والمادي من أجل إدارة حياة إنسانية يتم فيها تحقيق الصحة النفسية والجسدية والجنسية.



وأثناء توجيه الشباب يمكن أن تبرز المشكلتين التاليتين:

n تقديم المساعدة للناشئة فيما يتعلق بأشكال النشاطات الجنسية الضارة وبناء مواقف واتجاهات واعية ومسؤولة من مسألة الجنس

n تحديد مجالات محتوى التربية الجنسية العامة التي يجب تحقيقها في إطار المدرسة من خلال إسهام الجهات التربوية المختلفة. وهنا يتعلق الأمر بمجالات المعرفة والاتجاهات وتنمية الكفاءات و إتاحة الفرصة للناشئة للنقاش الواعي للظواهر الجنسية والأخلاق والمعايير الجنسية المختلفة.


مسؤولو التأهيل الجنسي والتربية

تحتل الأسرة والمدرسة أهمية خاصة في تشكيل السلوك والخبرة الجنسية والزوجية والزواجية. ومن خلال إكساب المعلومات والمعارف ونقل القيم و تقديم القدوة في البيت من خلال سلوك الاحترام المتبادل بين الأب والأم واحترام الحياة الزوجية من خلال احترام حقوق الآخر ومساواته فإنها تسهم في بناء المواقف وأنماط السلوك التي تحدد سلوك الأبناء في حياتهم الزوجية و الأسرية.كما وتمارس الجهات التربوية الأخرى تأثيراً على الأطفال والناشئة والراشدين حسب العوامل التالية:



المعايـــــــــير الاجتــماعية
مجموعةا لأصدقاء المساجد النوادي المدرسة الأب الأم
الزوج أو الصديق أو الأدب السينما التلفزيون
الزوجة الصديقة

إن النمو الخلقي للشخصية يتحدد من خلال الكيفية التي يتطابق فيها الضمير مع معايير القيم الخارجية ومن خلال الكيفية التي يبني فيها الفرد في المجال الاجتماعي اتصالاته وعلاقاته بالآخرين. وتطلق على هذه العملية من امتلاك القيم الاجتماعية تسمية التمثل . وما زال هذا المجال غير مبحوث بصورة كافية فيما يتعلق بالمجال الجنسي. ويعتبر تحليل التمثل أحد أهم وظائف علم النفس التربوي وعلم النفس الاجتماعي . ويمكن لمثل هذا التحليل أن يقدم الشروط من أجل دفع الجيل الناشئ إلى تمثل المعايير الأخلاقية وتمكينهم من المساهمة في تطوير وتنمية المعايير.

ومما لاشك فيه أن معرفة المعيار وحده لا تكفي من أجل بناء دوافع أو تنظيمات للسلوك. فإلى جانب المعارف يتطلب الأمر تقبل هذه المعايير بالنسبة للشخصية الخاصة والاستعداد لتحقيقها والقدرة على إمكانية تحقيقها أيضاً. وعلى الناشئ أن يصل إلى مرحلة التحرر التدريجي من التأثيرات الخارجية وأن يتمكن من القيام بعملية التربية الذاتية وأن يخضع بحرية ووعي للقيم الاجتماعية. وهنا علينا ألا ننسى أنه غالباً ما تصل المعلومات للناشئة بصورة متأخرة جداً وأن الكثير من المواضيع مازال الحديث حولها محرماً - بدون أي مبرر ديني أو علمي - مثل بدء العادة الشهرية والاحتلام وتنظيم الحمل والوقاية الصحية الجنسية …الخ.

ومن هنا فإن التربية السكانية الجنسية لابد وأن تراعي في التأهيل الجنسي النقاط التالية:

1- أن تتم التربية الجنسية بشكل يتناسب مع المرحلة العمرية أو النمو

2- عدم تجاهل التطرق لبعض الموضوعات في الوقت المناسب كالتحضير للطمث الأول…الخ.

3- استغلال إمكانات المواد التعليمية المختلفة لتقديم المعلومات المناسبة وعدم الاقتصار على مواد البيولوجيا.

4- التربية الجنسية ( بالمعنى الواسع ) المنهجية والمستمرة منذ الصف الأول الابتدائي وحتى المراحل الجامعية.

5- تقديم المعلومات الصحيحة بصورة مكثفة في سنوات المراهقة

6- التعرض للمشكلات التي يواجهها التلاميذ والمراهقين في إطار الإرشاد النفسي والإرشاد الطبي الصحي …الخ.

وتلعب الأسرة هنا دوراً مهماً وخصوصاً في تشكيل وبناء الأدوار الجنسية وفي تقديم الإجابات الأولية عن المسائل الأساسية عند الأطفال التي تشغل بالهم في مجرى النمو علماً أن هناك فروقاً فردية فيما يتعلق بالسن الذي تنشأ فيه هذه الأسئلة . ومن الأمثلة على ذلك:

1- سؤال كيف يأتي البنات والصبيان؟

هنا يكتسب الطفل معلومات حول خصائص جسده وفرادة جسده وجسد الآخرين من الجنس الآخر . وتبدأ عملية جمع المعلومات هذه مع الإدراك الأول لوظائف الجسد وتستمر منذ الطفولة حتى سن الشباب . ويهتم الطفل في البداية بأجساد الآخرين من الأطفال غير أنه بعد ذلك يهتم بخصائص جسد الكبار.

2- سؤال من أين يأتي الأطفال الصغار؟

وتشغل هذه المسألة الأطفال بدءاً من السنة الثالثة تقريباً. ولكن فيما إذا كان الطفل سيوجه هذا السؤال للمربي فإن ذلك يتعلق بظروف التربية . غير أنه يمكن الافتراض أن هذه المسألة تشغل ذهن كل طفل وليس من النادر أن يثار هذا السؤال من خلال ولادة طفل جديد في محيط الطفل.





3- سؤال كيف يخرج الأطفال؟

ويكون هذا السؤال ملحقاً بالسؤال السابق ومتعلقاً بالمعلومات المقدمة من خلاله. ويغلب أن ينشغل الأطفال بهذه المسألة في سن السادسة. وعند الإيضاح الخاطئ وغير الواضح أو عند عدم وجود الإجابة إطلاقاً حول مصدر الأطفال فإن الأطفال غالباً ما يطورون نظرياتهم الخاصة حول الولادة.

4- سؤال كيف يتكون الأطفال؟ ما هو دور الأب في ذلك ؟

ويقع هذا السؤال ضمن إطار مشكلة التكاثر وينشغل الأطفال غالباً منذ السنة العاشرة . وفي مجرى التعليم يحصل الطفل على المعلومات الأساسية التي تتعمق وتتوسع وتتمايز في السنوات اللاحقة.

وليس من الضروري أن يلجأ الطفل إلى مربيه في هذه الأسئلة كما وأن " عدم طرح الطفل لهذه الأسئلة " لا يعني أن الطفل لا يفكر بهذه المشكلة فهو يحصل على المعلومات من مصادر أخرى . ونجاح هذه التأثيرات يرتبط بشكل أساسي بالمثال أو القدوة التي يقتدي بها الطفل أو اليافع وهي في هذه الحال هنا الوالدين. فهم من خلال سلوكهم وتعاملهم مع بعضهم وأسلوبهم في توزيع الأدوار الجنسية وموقفهم من المسائل الجنسية يقدمون النموذج الأول لأولادهم .



التربية الجنسية في المدرسة


تلعب المدرسة دوراً مهماً في إيصال المعلومات والمعارف الجنسية بصورة موضوعية وعلمية للتلاميذ من خلال المواد التعليمية المختلفة كمواد القراءة والعلوم والدين …الخ.

إلاّ أن المعلم نفسه قد يواجه صعوبات كثيرة عند التعرض لموضوع التربية الجنسية . فالمعلم جزء من المجتمع الذي يعيش فيه وبالتالي فهو حامل وممثل لعادات وتقاليد المجتمع السلبية منها والإيجابية. وهنا تعتبر مسألة " تربية المربي " المشكلة المركزية والمشكلة المفتاح في موضوع التربية الجنسية والتأهيل الجنسي. ولا يكفي هنا أن يقوم المعلم بتقديم المعارف البيولوجية الأساسية فقط ، وإنما لا بد من التدريب على الاستخدامات اللغوية في موضوع الجنسية أي باستخدام المصطلح البسيط والمناسب بما يتناسب مع الموضوع والمرحلة العمرية بالإضافة إلى وجوب التمرن على الكيفية التي يجب فيها إيضاح وشرح المشكلات الجنسية في إطار الدرس بهدف رفع الثقة الذاتية عند المعلمين. وهنا يلعب الأطباء والمتخصصون النفسيون المؤهلين في علم الجنس دوراً أساسياً في تقديم المعارف العلمية وفي إطار عملية التدريب والتأهيل المستمر للمعلمين. إن إدخال موضوعات التربية الجنسية ضمن المنهاج وحده غير كاف وحده بل يجب تدريب المعلمين حول كيفية التغلب على خجلهم الخاص والتغلب على إحجامهم عن التطرق لمثل تلك المواضيع. فعلى الرغم من تحمس المعلمين في كثير من الأحيان إلاّ أنهم قد لا يعرفون الأسلوب والطريقة التي يجب فيها إيصال المعلومات ويعانون من صعوبات في استخدام التسميات المناسبة. كما وإن إدخال موضوعات التربية الجنسية ضمن المنهاج في المواد المختلفة وتدريسها من قبل المعلم والمعلمة يقلل من الهالة والخصوصية التي قد توحي بأن الموضوع يمتلكها عندما يتم تقديم المادة كموضوع خارج إطار الدرس الصفي أو عندما يقوم متخصص بإجراء ندوة مثلاً حول هذا الموضوع إلاّ إذا كان الأمر يتعلق بمسائل خاصة ضمن الموضوع العام كما سنشير لاحقاً.



إن الكثير من الشباب يعتقدون أنهم يعرفون الكثير عن الأمور والمشكلات الجنسية ولكن الاختبار الدقيق يظهر أن المعرفة التي يمتلكونها ناقصة جداً ومشوهة. فمثلاً تشير بعض الدراسات إلى أن كثير من الشباب من الجنسين يجهلون آليات الحمل وكثير من النساء يجهلن المخاطر الكبيرة للإجهاض. وحتى عندما تتوفر بعض المعلومات الصحيحة فإنها يغلب ألا تستخدم في السلوك الشخصي . وهنا توجد ثغرات معرفية يمكن سدها بطرق متنوعة من خلال المدرسة والمعلم ومن خلال الكتب والمنشورات والمقالات والمحاضرات والقانون والشرع.



الطبيب والمتخصص النفسي ودورهما في التربية الجنسية



تعتبر التربية الجنسية من المهمات الأساسية للمعلم الذي عليه أن يواجهها وألا يلقيها على عاتق غيره مهما كان السبب. ولكن حين يتعلق الأمر ببعض المسائل التخصصية الطبية منها والنفسية المتعلقة بموضوعات جنسية فإنه يمكن الاستعانة بمتخصصين بهدف عرض المشكلات المتعلقة بمجال اختصاصهم في مجال التربية الجنسية والزوجية.

ويمكن لعمل الطبيب المتخصص والمتخصص النفسي أن يكمل ويواصل عمل المعلم من خلال التعميق التفريقي للمعارف وإيضاح أهمية الموضوع . ويستطيع كل من الطبيب والمتخصص ( المرشد ، المعالج ) على أساس من " دورهما المهني " ومن موقف الناس منهما المرتبط بالدور المهني أن يعالجا أغلب المواضيع الجنسية بشكل حيادي وأحياناً بشكل أعمق تأثيراً مما يستطيعه المعلم الذي يمكن أن يخجل منه التلاميذ في عرض أسئلة معينة بسبب خصوصيته كمعلم. وسبب كون الطبيب والمتخصص النفسي يلعبان دوراً كبيراً هو أن اليافعين غالباً ما يمتلكون تجاه أهلهم ومعلميهم ظاهرة ما يسمى " الكف " ، أي تجنب الحديث حول أمور معينة تمس الحياة والمشكلات الخاصة بما فيها المسائل الجنسية في إطار الأسرة أو العلاقات الاجتماعية أو مع المعلم. في حين أنه يتم التطرق لهذه المشكلات مع شخص غريب بمجرد توفر ظاهرة الثقة الكاملة. وهذه يمكن أن يوفرها الطبيب أو المتخصص النفسي وبالتالي فهما يمتلكان شروطاً أفضل في التعرض لمثل هذه المعلومات. وهذا الموقع الموضوعي والحيادي لهما يتطلب منهما الالتزام الذاتي والمراعاة الكافية للمسؤولية التربوية التي يحملونها.

ومن المؤكد أنه سوف يتعرض هؤلاء لمشكلات معقدة ومتنوعة وعليهم حل هذه المشكلات بشكل لا يعرض سلامة الناشئة للخطر . ومن هنا يجب أن يكونوا على إلمام ودراية كافية بالتوجهات الدينية و الأخلاقية للمجتمع . فعدم الإلمام بهذه التوجهات يمكن أن يقود إلى سوء فهم لكثير من القضايا. فتنظيم النسل يمكن أن يفهم على أنه دعوة للإجهاض وتشجيع عليه أو يمكن للمعلومات العلمية حول سن النضج الجنسي أن تفهم كمطلب من أجل الممارسة الجنسية أو لتعويض السنوات الفائتة، أو أن تفهم عدم خطورة ممار سة العادة السرية على أنها دعوة لليافعين لممارستها دون حدود.

أما الوسائل التي يمكن من خلالها التعرض للمشكلات الجنسية فهي متنوعة وتتراوح بين الإرشاد والتوجيه الفردي والتنظيم الدوري لساعات الاستشارة والجلسات الإرشادية الشبابية والإرشادية الجنسية والإرشادية الزوجية والزواجية. ومن الطبيعي هنا أن يتولى طبيب النسائية والأمراض البولية والتناسلية مهمات أساسية في التربية الجنسية للسكان وذلك من خلال عمله المباشر في إطار المراجعات الدورية للنساء سواء في إطار الأمراض النسائية أو في إطار الإشراف على الحمل أو في إطار الفحوصات الوقائية.



بعض مبادئ العمل التربوي الجنسي

سنتعرض فيما يلي لبعض مبادئ العمل التربوي الجنسي من منظور علم النفس. وهي مبادئ عامة تساعد المعنيين بدءاً من الأسرة وانتهاء بالمعلم والطبيب والمشرف النفسي كإطار توجه، ومراعاتها تعتبر ذات أهمية في نجاح العمل التربوي الجنسي.

1) مبدأ حتمية النمو:

لابد من تنظيم كل التأثيرات بشكل يتناسب مع مجرى النمو. وهذا يشترط توفر المعرفة حول المجرى العام للنمو والخواص الفردية للمربي في الوقت نفسه. على المرء دائماً أن يخبر الطفل بالمقدار الذي يسأل عنه أو بالمقدار الذي يستطيع فهمه. كما وأن التعاليم لابد من أن يتم تلقينها بصورة متناسبة مع السن. وعلى البرامج التعليمية مراعاة هذا المبدأ وتبدأ بعرض الإجابات على المسائل المتعلقة بالجنس من الصف الأول الابتدائي.

2) مبدأ الثقة :

تعتبر الثقة أساس كل تأثير جنسي تربوي. والثقة بالطفل والناشئ لابد أن تكون موجودة منذ البدء فهي تشكل أساس ثقة التلميذ بالمربي. وبناء الثقة يشترط وجود تواصل جيد بين المعلم والتلميذ. كما ويشترط وجود الثقة وبناءها معرفة المربي بخصائص الطفل و الناشئ . وهذه المعرفة تمكنه من التعامل بصورة ملائمة على أساس الخصائص الفردية الملائمة. على المربي أن يظهر أن مشكلات وأسئلة الناشئين معروفة لديه وليست غريبة وأنه من خلال هذه المعرفة يستطيع تفهم الناشئة. وبهذا يكون المربي قد حقق لنفسه نقطة انطلاق أفضل مما لو أظهر الانطباع بأنه يقف (( فوق كل اعتبار )) ممثلاً لما يجب أن يكون.

على المربي أن يبدي التفهم عند تقييم صداقات اليافعين والتعامل بجدية مع اليافع وعدم الضحك حول الأسئلة التي يطرحها أو السخرية منه. إن مشكلات اليافع هي مشكلات حياتية وعلينا ألاّ ننسى أننا قد عانينا من مشكلات شبيهة في مراهقتنا.

3) مبدأ الإعداد الفعال والتحصين:

إنه لمن الخطأ الاعتقاد بأن جهد التربية لابد وأن يقتصر على أن يقال شياً ما عندما يسأل الطفل. ففي المجالات جميعها يقوم الكبار بنقل المعرفة للأطفال والناشئة، إلاّ أن هذا غالباً ما لا يحدث في مجال المعارف الجنسية، مع العلم أن الأمر مهم جداً في مجال التربية الجنسية بالتحديد. إذ أن تقديم المعارف يرتبط في الوقت نفسه مع تشكل المواقف. ومن المهم هنا استغلال الوظيفة التربوية التي يملكها (( الانطباع الأول )). فمن المعروف أن الخبرات والمعلومات الأولى ترسخ بشكل شديد الثبات في الذاكرة. فإذا ما تمكن المربي من التوضيح للطفل في الوقت المناسب وتمكن في الوقت نفسه من فهم الطفل وقام بإجراء بناء للمواقف و بناء الشخصية فإن الطفل سوف يتحصن بدرجة كبيرة تجاه التأثيرات السلبية.

4) مبدأ الصدق والوضوح:

من المبادئ الأساسية لكل مربي أن يكون صادقاً وواضحاً في التعبير عن نفسه. ومن الغريب أن يلاحظ الكثير من التردد عندما يتم تطبيق هذا المبدأ في التربية الجنسية . فمن خلال الصمت والتعتيم أو التجنب أو عدم الوضوح يضفي المرء على هذه المشكلة جذباً غير عادي يؤدي إلى إثارة الفضول. فإذا ما كذب المرء على الطفل أو أخفى عنه شيئاً فإن المربي سرعان ما سيفقد مصداقيته. فمن خلال الحقيقة وحدها يصل المرء إلى الهدف ويحقق شروطاً مناسبة من أجل التربية الجنسية اللاحقة.

ولكن هنا يجب عدم الخلط بين الصدق والوضوح وبين الرزانة أو بين الصدق والوضوح وبين التفسيرات البيولوجية الأحادية الجانب.

5) مبدأ الاستمرارية والتكرار:

لا يكفي القيام بحملات توعية في أوقات متباعدة بل لابد من القيام بذلك باستمرار وأن تكون الحملات مترابطة مع بعضها من حيث المحتوى ، أما التكرار فهو ضروري ، ذلك أن الطفل غالباً ما ينسى جزئياً محتوى التعاليم الباكرة. والتعاليم الصحيحة قد تتداخل مع تعاليم خاطئة إذا ما لم يعتمد على مبدأ التكرار.

6) مبدأ الموضوعية والتطبيع:

ينبغي للتأثير التربوي الجنسي أن يتم في إطار الأشكال المألوفة في الدرس وألا تخصص جلسات وأشكال خاصة من التنظيم الدرسي. فاختيار الأشكال الخاصة من التأثير كاف وحده ليمنح الموضوع جاذبية غير مرغوبة. ومن خلال استخدام الطريقة المألوفة في تنظيم الدرس العام والتأثير على الصف ككل يتم تحقيق الموضوعية لمحيط الموضوع ككل. وبذلك يتم تجنب الاعتراضات والإرهاقات والتثبيتات . وينبغي أن يوضح المحتوى وطريقة العرض بأن الأمر يتعلق في موضوع الجنسية بمظهر طبيعي من مظاهر الحياة الإنسانية.

7) مبدأ الترسيخ الجماعي والصياغة الجماعية

يجب تحقيق هذا المبدأ بطرق متنوعة. فمن جهة ينبغي لكل تأثير اجتماعي أن يوضح التشابك الاجتماعي وأن يبرز القواعد والمعايير الاجتماعية على أنها قواعد ومعايير ملزمة للجميع، ومن ناحية أخرى يجب على اليافع إدراك أن المجموعة التي ينتمي إليها هي جزء من المجتمع. ويعتبر هذا الإدراك جوهرياً في مرحلة المراهقة بالتحديد ذلك أن الناشئ يكون متعلقاً بمعايير المجموعة التي ينتمي إليها وخصوصاً عند وجود قيم ومعايير تختلف عن قيم ومعايير مجموعته. وسعي اليافع إلى الحصول على الاعتبار ضمن مجموعته يعمل على كف النقد الذاتي لسلوكه الخاص. ويحقق الدرس المشترك حول المشكلات الجنسية ضمن مجموعة الصف دفعاً إيجابياً إضافياً ويسهل الاستقبال الموضوعي حيث يتم من خلال ذلك منع أو إعاقة شعور الفرد بأنه معني مباشرة. ويعتبر الحديث ضمن المجموعة بالنسبة لكثير من التلاميذ خبرة مهمة.

7) مبدأ إيقاظ المسؤولية الذاتية:

لابد من جعل الشباب مدركين أن مجرى وبناء العلاقات بالجنس الآخر يتعلق بالفرد وحده، إلا أن المسؤولية لا يمكن أن تثمر إلاّ عند ذلك الذي يعرف بصورة وافية كافة الحقائق وأهميتها. كما ويجب إيقاظ المسؤولية تجاه الشريك الآخر في كل علاقة.

8) مبدأ الوحدة بين توفير الحقائق ونقل القيم:

ينبغي لكل توفير وإيصال للحقائق أن يترافق مع نقل للمعايير والقيم باعتبارها نقاط توجه للسلوك المستقبلي . ومراعاتها تعطي الشاب الاتجاه نحو ذلك السلوك الذي يشجع نموه الخاص وهنا يتحمل المربون مسؤولية جوهرية.

9) مبدأ التثقيف ( التهذيب )

ينبغي للشاب إدراك أن تهذيب علاقاته الشخصية يعد من المطالب الأساسية. إن التربية المبكرة من هذا النوع هي وحدها التي تستطيع تحصين الشباب والراشدين تجاه المجلات والأفلام وأنماط الحديث والأغاني الفاحشة.

وعلى الرغم من أن صياغة هذه المبادئ قد وضعت في صيغة جمل وجوب إلاّ أنه من السهل اشتقاق مبادئ سلوكية ملموسة وفق طبيعة المعايير الاجتماعية والأهداف التربوية السائدة. كما ويمكن إكمال هذه الأهداف بمجموعات أخرى من الأهداف الأساسية والثانوية سواء.