معظم الأفراد الذين يزورون العيادات النفسية لديهم نوع من أنواع اختلال أو سوء استخدام "استجابةالهروب أو القتال". استجابة "الهروب أو القتال" هي جهاز إنذار مبكر - كجهاز إنذار الحريق- موجودداخل أجسامنا منذ بدء الخليقة لمساعدة الانسان في البقاء على قيد الحياة، ولتمكينه من الاستجابةبسرعة لمواقف الخطر الذي يهدد حياته كظهور أسد أمامه مثلا.
استجابة الهروب أو القتال تحضرالجسم والعقل خلال ثوان معدودة للهروب من الأسد أو قتاله اذا استدعى الامر ( بالتأكيد نفضل الهربلكن لو لحق بنا الاسد سنقاتله)، فيتم تداعي كافة الأعضاء والأجهزة داخل الجسم التي يحتاجهاالشخص لإنجاح عملية الهروب او القتال. حتى يهرب الانسان من الأسد أو يقاتله يحتاج الى العضلاتالكبيرة في الذراعين أو الساقين أن تكونا مشدودة، كما يحتاج الى طاقة كبيرة للهروب أو القتال يوفرهاالقلب بالضخ المتزايد للدم، وبما أن هناك ضخ متزايد للدم فيجب تنقيته بواسطة التنفس الذي يصبحبدوره سريعا وسطحيا. في الوقت ذاته تعمل هذه الآلية على ترشيد الطاقة عبر إبطاء جميع عملياتالجسم الغير هامة لمحاربة الأسد، فتتباطأ عملية الهضم لأن الانسان لا يحتاج أن يهضم الطعام أوللتحكم بالأمعاء والمثانة في مواقف الخطر فيشعر الفرد بتلبك المعدة والأمعاء والحاجة الى زيارة الحمام. اذا كان الفرد يواجه الأسد فهذا وقت غير مناسب للحمل والإنجاب أو مواجهة الجراثيم والفيروسات لأنالجسم مشغول بمواجهة الاسد. وطبعا اذا صادف الفرد خلال هروبه قطعة سكر أو خضروات مفيدةسيتناول قطعة السكر لانها مصدر سريع للطاقة التي يحتاجها لمتابعة الهروب او القتال.
جهاز الإنذارالبديع هذا ساعد على بقاء النوع البشري منذ بدء الخليقة الى الآن، وهو لا يزال مناسبا الى يومنا هذاللتعامل مع حالات الخطر الحقيقي ومواقف الحياة أو الموت مثل التعرض لحادث سيارة، أو دخول حرامي الى البيت وغيرها من مواقف الخطر التي فعلا تهدد حياتنا. الا أن جهاز الإنذار هذا يعاني سوءالاستخدام في حياتنا المعاصرة، فنادرا ما نمشي ونصادف أسدا في الشارع اليوم.
أصبح الأسد لدىالانسان الحديث هو الامتحانات ومواجهة الناس والخوف من احتمال حصول الخطر (مقابل وجود خطرفعلي يستدعي التصرف).الانسان الحديث يتعامل مع الأفكار كأنها أسد والجسم يستجيب للخطرالمتخيل بنفس الآلية التي سبق شرحها دون تفريق بين الحقيقة والخيال. ولأننا لا نركض فعليا أونستخدم جسمنا في الهروب أو القتال كما كان الانسان الاول يفعل، تصبح الاعراض بالنسبة لنا مزعجةوغير مفهومة.
لسوء الحظ ، يمكن للجسم أن يبالغ في رد الفعل على الضغوطات التي لا تهدد الحياة ،مثل الاختناقات المرورية وضغط العمل والصعوبات العائلية، فنغرق في بركة من الهرمونات والاستجاباتالفسيولوجية الغير لازمة التي أصبحت بحد ذاتها - ونتيجة لسوء الاستخدام- تسبب المرض. من الأمورالمفيدة التي يمكن أن نقوم بها لمواجهة هذا الاختلال ممارسة التمارين الرياضية لأنها تقوم باستخدامالعضلات فيما يشبه الهروب (المشي او الجري مثلا) أو القتال (الملاكمة والكراتيه مثلا). من الامورالمفيدة أيضا ممارسة الاسترخاء بشكل يومي من أجل إعادة ضبط آلية الهروب أو القتال ومساعدةالجسم ليعود الى وضعه الاصلي (الأصل في الجسم أن يكون في حالة استرخاء مثل الرضيع تماما. كذلك لا بد من إعادة تقييمنا للأخطار في حياتنا والعمل على تغيير الافكار الخاطئة. إسأل نفسك مراراوقت التوتر ( هل هذا أسد؟ هل هذا موقف حياة أو موت؟ هل يستحق أن أستخدم جهاز الإنذار؟ ) وعدلاستجابتك اذا كان الجواب بالنفي.