Dec 1, 2012

المرضى النفسيون ليسوا أكثر عنفا من غيرهم

الطب النفسي والجريمة: المرضى ليسوا أكثر عنفاً من غيرهم
ملاك مكي - 27/11/2012 - 00:17:00
الطب النفسي والجريمة: المرضى ليسوا أكثر عنفاً من غيرهم
 
تفترض الدراسات العلمية أن 30 إلى 50 في المئة من السجناء يظهرون شخصية معادية للمجتمع(أرشيف «السفير»)
ينضوي الطب النفسي على مفردات عدة: اضطرابات نفسية، اكتئاب، انتحار، شخصية مَرَضية.. وغيرها. في المقابل، تقترن الجريمة بمفردات مغايرة: قتل، اغتصاب، سرقة، سجن، عقوبة وغيرها.

للوهلة الأولى، لا علاقة للمفردات بعضها ببعض غير أن التعمّق يثير تساؤلات عدة: هل تزيد الاضطرابات النفسية من معدّلات الجريمة؟ هل المجرمون هم مضطربون نفسيون؟ وما هي الاضطرابات النفسية التي يظهرها المجرمون والسجناء؟ ما هي الدوافع النفسية التي ترتبط بجرائم معيّنة؟ وهل العنف هو وليد الأمراض النفسيّة أم إهمال الأمراض النفسيّة وعدم معالجتها تزيد من حدة العنف؟

يشير رئيس «الجمعية اللبنانية للطب النفسي» الدكتور إيلي كرم لـ«السفير»، خلال مؤتمر «الطب النفسي والجريمة» الذي نظمته الجمعية السبت الماضي في «نقابة الأطباء»، بالتزامن مع يوم الصحة العقلية، إلى عدم وجود براهين علمية تثبت بأن الأشخاص الذين يعانون أمراضاً نفسية وعقلية يرتكبون جرائم أكثر من الأشخاص العاديين. في المقابل، يسجّل الأفراد الذين يعانون أمراضاً نفسية خطيرة وحادة جرائم أقلّ من غيرهم. ويوضّح كرم أن وسائل الإعلام والمجتمع يسلّطان الضوء على الجرائم التي يرتكبها مرضى نفسيون بسبب طبيعة تلك الجرائم غير المنتظرة.

يلفت رئيس قسم الطب النفسي في «مستشفى سان شارل» الدكتور إيلي شديد إلى أن المرضى النفسيين يرتكبون جزءاً من الأعمال العنيفة من دون أن ترتبط جميع مظاهر العنف بهم، وهم في الغالب ضحايا العنف. وتنجم الأعمال العنفية الحقيقية عن إهمال المرضى النفسيين وعدم متابعتهم وليس عن خصائص مرضهم النفسي.

تفترض الدراسات العلمية، وفق كرم، أن نسبة ثلاثين إلى خمسين في المئة من السجناء يظهرون شخصية معادية للمجتمع التي تتصف بعدم احترامها القوانين، وعدم شعورها بالذنب. تساهم بعض العوامل الجينية في ظهور تلك الشخصية التي ترتبط أيضاً بعوامل تربوية مثل عدم تربية الأطفال على احترام قوانين واضحة وغيرها.

تهتم البحوث العلمية، وفق الباحث والمتخصص في الأمراض النفسية الدكتور أحمد عياش، بالعوامل البيولوجية التي ترتبط بحالات العدوانية. يظهر التصوير المغناطيسي النووي بأن حجم الفص الأمامي عند الأشخاص ذوي الميول العدوانية هو أقلّ بنسبة 11 في المئة من عند الآخرين. تحفّز الناقلات العصبية مثل الدوبامين والأدرينالين والسيروتونين، حالات العدوانية، بينما يساعد الناقل العصبي (Gaba) في كبح تلك الحالات. وتوجد علاقة بين المعدّل المنخفض للكوليسترول في الدم والسلوك العنيف عند الرجال. يؤدي الإضطراب في الجهاز الحوفي (Limbic system) إلى ظهور مشاعر عدوانية ويؤثر تنشيط جهاز المناعة في بعض الحالات المرضية على نمو الأفكار العدوانية. يضيف كرم أن هرمون التستوستيرون يزيد العدوانية إذ أظهرت النساء اللواتي أعطيت لهن كمية من هرمون التستوستيرون عدوانية أكبر.

يشير رئيس قسم الطب النفسي في «مستشفى أوتيل ديو» الدكتور سامي ريشا إلى أهمية إطلاع القضاة ورجال الشرطة على الأمراض النفسية وخصائصها من خلال إدراج بعض المواد التثقيفية في المسار الأكاديمي، غير أن القاضي بيتر جرمانوس يقول أن ليس على القضاة أن يعرفوا ما يدور في عقل المتهم بل يهتم القاضي بتطبيق القانون وتحقيق العدالة. في المقابل، يطلب بعض المحامين أو المدعين العامين في لبنان، وفق كرم، استشارة وتقرير الطبيب النفسي خلال معالجة بعض القضايا والإدعاءات القانونية.
الأرقام في لبنان

يذكر عياش نتائج دراسة قام بها بين عامي 1993 و2007 عن معدّل الجرائم في لبنان والدوافع المرتبطة بها. وتظهر نتائج الدراسة بأن المعدل العام للجريمة هو 3.5 / 100000 بينما تسجل الولايات المتحدة الأميركية معدّل 5.7 وروسيا 16.5 وكندا 1.85. وتختلف المعدلات بين عام وآخر (1993: 181، 1994: 213 ، 1995: 172، 1996: 184، 1997: 142، 1998: 203، 1999: 162، 2000: 155، 2001: 146، 2002: 154، 2003: 94، 2004: 80، 2005: 94، 2006: 23، 2007: 55). ويوجد مقابل مئة قاتل رجل 7 قاتلات نساء، ومقابل 4 ضحايا ذكور إمرأة ضحية. وتسجّل الفئة العمرية بين 18 و29 عاماً أكبر نسبة من الجرائم. وتشمل الدوافع الميول الإجرامية للفرد، الثأر والانتقام، التعرّض للسباب، الشرف، الطمع المادي ودوافع غامضة أخرى.
الفصام والجريمة

يسود سوء فهم في بعض المجتمعات في شأن ارتباط مرض الفصام (schizophrenia) بالجريمة. يوضح الخبير في الطب النفسي الشرعي الدكتور برنار كوردييه أن الفصام ليس مرضاً مرتبطاً بالإجرام بل على العكس الأفراد الذين يعانون الفصام هم أقلّ عنفاً وإجراماً من غيرهم. في المقابل، تكشف الإحصائيات، وفق كوردييه، أن معدّل الأشخاص الذين يعانون الفصام أكثر ارتفاعا في السجون مقارنة مع خارجها، إذ يزيد من نسبة واحد على مئة في المجتمعات العادية إلى 4 و6 في المئة في السجون. يعيد كوردييه ارتفاع المعدّل إلى عوامل عدة من بينها عامل السجن والعزل الذي يزيد من نسبة ظهور مرض الفصام عند بعض المساجين الذين لديهم استعداد لذلك. ويلفت كوردييه إلى أن المحاكم الفرنسية تلحظ وضع هؤلاء المساجين المرضى وتفرض عليهم المتابعة الطبيّة.
السجينات والطب النفسي

تلاحظ الإحصائيات في الولايات المتحدة الأميركية، وفق مديرة قسم الطب النفسي في «المستشفى اللبناني ـ جعيتاوي» الدكتورة جوزيان سكاف، ارتفاع نسبة السجينات بوتيرة 4.9 في المئة في العام 2002 مقارنة بالأعوام السابقة، مع الإشارة إلى أن معظم الجرائم يرتكبها الرجال بنسبة تصل إلى 85 في المئة. تظهر السجينات أمراضاً نفسية كثيرة، إذ تلحظ الأرقام الأميركية في العام 2005 أن نسبة 73 في المئة من السجينات تعاني أمراضاً نفسية وعقلية مقابل نسبة خمسة وخمسين في المئة من السجناء الرجال. وتشمل الاضطرابات النفسيّة التي تعانيها السجينات: الاكتئاب، الإدمان، اضطرابات في الشخصية، إضطراب الكرب التالي للرضح (posttraumatic stress disorder) ما يوجب التدخل العلاجي ومتابعة الوضع النفسي لهنَّ.

علم الضحية

بدأت البحوث المرتبطة بالجريمة، مع نهاية الحرب العالمية الثانية، تهتم بعلم الضحية (Victimology). يرتكز علم الضحية على معرفة خصائص الضحية وصفاتها. ويميّز الباحثون، وفق الطبيبة النفسية جوسلين عازار، بين ضحية مشتركة في الجريمة وغير مشتركة، وبين ضحية استفزازية وضحية لديها الاستعداد، وضحية غير حقيقية. وتساهم معرفة العلاقة بين المجرم والضحية وظروف الجريمة في وضع المعايير الوقائية للحدّ من الأفعال الجرمية وليس لتبرئة المذنب.

جريمة الشغف

تظهر الإحصائيات الأميركية في العام 2003 أن نسبة ثلاثين إلى خمسين في المئة من النساء الضحايا قتلن على يد أزواجهن ما يثير مسألة جريمة الشغف «crimes of passion».
تشكل الغيرة والخوف من الانفصال، وفق الدكتورة ندى زهر الدين، الدافعين الأساسيين لتلك الجرائم من دون أن يشكل المرض العقلي عاملاً مهما في هذا النوع من الجرائم. ويظهر مرتكبو جرائم الشغف خصائص شخصية مثل: معاداة المجتمع، الاتكالية أو التبعية، الزور ـ جنون العظمة (paranoia)، النرجسية.. وغيرها. في المقابل، يقدم نحو ثلث الأفراد الذين يقتلون حبيباتهم على الانتحار. ويظهر هؤلاء الجناة أمراضاً عقلية ونفسية (اكتئاب). وتوضح زهر الدين أن جرائم الشغف تختلف عن جرائم الشرف التي يقوم بها الرجل لدوافع مغايرة.

الجريمة والإدمان

يلفت الاختصاصي بأمراض الإدمان الدكتور فرنسوا قزعور إلى ارتفاع الجرائم المرتبطة بحالات إدمان، إذ يوجد ارتباط بين الإدمان والإقدام على الجرائم. تؤثر الكحول والمخدرات على سلوك الشخص وقدراته العقلية والتقويمية. ويشكل إدمان المخدرات أكثر الأمراض النفسية التي يتم تشخيصها في السجون. ويزيد إدمان المواد المخدرة عند الشخصية المعادية للمجتمع السرقة بمعدّل 2.16، والجرائم الأخرى بمعدّل 2.44. ويلاحظ قزعور بدء بعض المساجين في العالم تعاطي المواد المخدرة في السجن ما يسلط الضوء على أهمية متابعة السجناء وعلاجهم.

الجريمة والشخصية المرضية

يشكّل الغضب، وفق شديد، المحفّز الأساسي للعنف عند جميع الشخصيات المرضية. تعتبر الشخصية المعادية للمجتمع أكثر الشخصيات المرضية المرتبطة بأعمال عنفية وانحرافية خصوصاً عند الرجال. وتشكّل الشخصية المصابة بجنون العظمة (Paranoia) ثاني أكثر الشخصيات المرضية انتشاراً بين الجناة الرجال والثالث عند النساء. وتشكّل الشخصية الحدية (borderline personality disorder)، وفق شديد، الأكثر انتشاراً بين الشخصيات المرضية التي تظهرها بعض عينات النساء المجرمات. في المقابل، لا تتصف الشخصيات القلقة أو التي تعاني إضطراب الوسواس القهري بالعدوانية أو العنف.

الجريمة عند الأطفال والمراهقين

يشير الاختصاصي بالأمراض النفسية عند الأطفال والمراهقين الدكتور جون فياض إلى أن معدّل الجرائم عند الأطفال والمراهقين منخفض. وتتركز عوامل الخطر على التعرّض للعنف في مرحلة مبكرة أو للاعتداء، وجود تاريخ عائلي، ذكاء منخفض وغيرها. تساهم بعض العوامل البيولوجية مثل خلل في الوظائف الفكرية والتفاعل بين الجينات والظروف البيئية في ظهور أعمال عنفية عند الأطفال. ويشدد فياض على أهمية التدخل الوقائي ومتابعة الوضع النفسي للأهل والأولاد.