Total Pageviews

May 23, 2012

النساء والتجاوزات الجنسية

<>

<>
<>
<>
الكاتب: د. سداد جواد التميمي

البلد: العراق
في جميع الحضارات هناك أسئلة يتكرر طرحها بين الحين والآخر ولكن الإجابة عليها تتميز بصيغة واحدة وهي اختلاف الجواب، ويجب علينا القبول بأن ليس هناك حرج في عدم اتفاق الآراء. على العكس من ذلك إن الاختلاف في الرأي هو السبب الأول والأخير في تحفيز المجتمع لمناقشة مشاكله الأخلاقية والاجتماعية والاقتصادية ودفع الإنسان إلى اعتماد العقل والمنطق لوضع الخطوط العريضة لقيمه الإنسانية بدلاً من الرجوع فقط إلى التوصية والموعظة الدينية. من هذا المنطلق سأتطرق بإيجاز إلى مسألة التجاوزات الجنسية بين الرجال والنساء اجتماعيا.

هناك العديد من المصطلحات التي يستعملها البشر عند التطرق إلى التجاوزات بين الجنسين أو حتى بين أفراد من الجنس الواحد وربما يمكن جمعها تحت مظلة واحدة وهي التجاوزات الجنسية. هذه المشكلة الاجتماعية يمكن تعريفها بمرض اجتماعي وعلاجه هو مسؤولية العديد من مؤسسات الدولة والمجتمع. كذلك يجب التأكيد على أن التجاوزات الجنسية شائعة في جميع أنحاء العالم، لكن الحقيقة المؤلمة أنها أكثر شيوعاً في العالم العربي الإسلامي وأكثر مرارة من ذلك ومن أبشع ما يسمع الإنسان هو إلقاء المسؤولية من بعض السفهاء على ضحايا التحرش الجنسي بدلاً من الجناة.

ليس النساء وحدهن عرضة لهذا الاعتداء وإنما يد الجناة تتمدد إلى الذكور والأطفال أحياناً. من جراء هذا الفعل هناك وجهة نظر عامة حول الرجال في العالم العربي تكاد تكون سلبية من جراء تكرار عملية التجاوزات الجنسية، وهي أن الرجال العرب غاية سلوكهم اجتماعياً هي الجنس فقط. هذا المعتقد خالٍ من الصحة والغالبية العظمى منهم لهم مشاعر عاطفية وإنسانية نبيلة لا تختلف في إطارها ومحتواها عن الرجال في العالم الغربي، ولكن ذلك لا ينفي أن هناك مشكلة لا بد من التطرق إليها.

هذا المقال معنِي فقط بالتجاوزات الجنسية للرجال نحو النساء، فهي أكثر التجاوزات شيوعاً. لست هنا بصدد مراجعة الأحكام والشرائع الدينية أو انتقادها فهذه خارج اختصاصي، ولكن هذا الأمر لابد من مناقشته في مجال الصحة النفسية. ما دفعني إلى إلقاء نظرة وإبداء رأي هو رسالة من إحدى الأخوات إلى الموقع حول تعرضها إلى التجاوزات الجنسية من سائق سيارة أجرة ومعلم في الحرم المدرسي وتساءلت كيف أن الحجاب لم يمنع الآخرين من التعرض لها.

مشكلة المصطلحات:
هناك ثلاث مصطلحات يتم تداولها في هذا المجال وهي:
1- سوء المعاملة الجنسي Sexual Abuse.
2- التحرش الجنسي Sexual Harassment .
3- الاعتداء الجنسي Sexual Assault .

المصطلح الأول شائع الاستعمال في العالم الغربي على المستوى الاجتماعي والإعلامي غير أن هذا المصطلح لا يعرف الفعل بصورة دقيقة. إن البعد اللغوي والنفسي لكلمة سوء المعاملة يحتوي على رأي ذاتي وربما يكاد يكون خالياً من الموضوعية، وخاصة عند استرجاع البعض لذكريات والحديث عن لمس الأم أو الأب لمناطق معينة من جسد الطفل. هذا الأمر شائع ويحدث أحياناً عند خضوع بعض الأفراد للعلاج النفسي وسعيهم للبحث عن تفسير لحالتهم النفسية وانهيارهم المعنوي.

أما مصطلح التحرش الجنسي Sexual harassment فهو شائع الاستعمال في العالم العربي غير أنه ملئ بالتناقضات عند التطرق إلى التعامل القانوني والمهني والاجتماعي. يضاف إلى ذلك أن هذه الكلمة تشير إلى إلقاء بعض المسؤولية على ضحايا التجاوزات الجنسية وخاصة في مجال زينة المرأة وملبسها. يكثر استعمال المصطلح الأخير في مجالات العمل ويمكن التحري عنه عبر لوائح مهنية والتحقيق فيه قد يتم داخلياً أو من قبل لجنة حيادية خارجية. أما استعمال هذا المصطلح لوصف تجاوزات الرجال على النساء من مختلف الأعمار وفي شتى المجالات إن كان ذلك في الشارع أو المدرسة فإن مسألة التناقضات فيه تكون واضحة جداً وربما استعمال المصطلح الثالث وهو الاعتداء الجنسي يكون أكثر دقة.

متى ما استعمل المجتمع هذا المصطلح الأكثر دقة من التحرش فلا تقع المسؤولية إلا على عاتق الجاني وحده، ويتجاوز المجتمع العصاب المزمن الذي يلازمه بشأن طبيعة المرأة ودورها في التجاوزات أو المضايقات الجنسية التي تتعرض لها. أصبحت هذه المضايقات أشبه بالوباء المتفشي في أنحاء العالم العربي ولكن طريقة علاجه تكمن في تناقض واحد وهو وضع الحدود على المرأة بدلاً من الرجل فيما يخص الملبس والزينة. يمر العالم العربي هذه الأيام بثورات تنادي بحقوق بشرية وإنسانية ولابد من إضافة حقوق نسائية تضمن للمرأة حقها المشروع في أن لا تكون هدفاً لنزوات وتهور الرجال ورفع أو بل التحريم بإلقاء اللوم عليها مهما كانت زينتها وملابسها.

لباس المرأة وزينتها:
لا يخلوا التطرق إلى هذا الأمر من حرج لمن يتكلم فيه وإلى من يتم توجيه الحديث له. لكل إنسان الحق في اختيار ملبسه وزينته، ولا جدال في أن هذا الأمر يقع ضمن دائرة الحرية الشخصية . إن اختيار المرأة للباسها وزينتها ربما له أسبابه الروحية والدينية، ولكن أن يحدد المجتمع ويضع الشروط على لباس المرأة اعتماداً على نصوص دينية قابلة للتأويل اعتمادا على استعمال الإنسان لقشرته المخية فهذا بحث آخر.

هناك حقيقة لا تقبل الجدل بأن الحجاب ولباس المرأة يكاد يكون حصراً على المجتمع الإسلامي وخاصة العربي والغلاة من معتنقي الديانة اليهودية. ترى الطائفة الأخيرة تحدد لباس المرأة بصورة تشابه ما تلبسه المرأة في المجتمع العربي والإسلامي وعلى ضوء ذلك يتم تعريفهم بنساء طالبان. أما في العالم الإسلامي فترى الزي الموحد الإيراني تحرص الجهات المختصة على مراقبة النساء وتمسكهن به وكذلك الأمر في المملكة العربية السعودية وبصورة ربما أكثر غلواً من الأولى. أما على صعيد الأقطار الأخرى من العالم العربي الإسلامي، فإن رجال الدين لا يكفون عن الحديث في هذا الأمر، ويحرص الغلاة من الرجال والنساء على فرضه اجتماعياً ودينياً رغم غياب اللوائح القانونية والدستورية.

أحد الخرافات التي يكثر تداولها بأن لباس المرأة وزينتها يجب أن لا تتجاوز عتبة معينة للوقاية من تجاوزات الرجال عليهم. هذه القاعدة اللاأخلاقية كانت سائدة قبل القرن الثامن العشر في الحضارة الغربية ويمكن تلخيصها بأن النساء أكثر شهوانية للجنس. لا يتوقف الرجال عند هذا الحد بل ويصورون المرأة بأنها أقل عقلانية، غير قادرة على إحكام السيطرة على عواطفها وتميل إلى عدم الالتزام. ربما يكون مرجع هذا المعتقد إلى التفسير الخاطئ غير الموضوعي لضعف حواء ودورها في قصة الخليقة والخروج من الجنة.

تغيرت هذه المعتقدات تدريجياً وفي القرن التاسع عشر وأصبح الرأي السائد بأن الرجال هم الأكثر اندفاعاً من ناحية الغريزة الجنسية وهم الأكثر ميلاً لإغراء النساء وأن دور المرأة أكثر سلبية. على ضوء ذلك بدأ المجتمع يضع المرأة في إطار جديد محتواه أنها مخلوق ناعم، رقيق، خالٍ من التهور الجنسي وفي حاجة مستمرة إلى استعمال دفاعاتها ضد ضراوة الرجال الجنسية. لا يزال هذا الرأي سائداً إلى يومنا هذا في جميع أنحاء العالم، وهنا علينا أن نسأل:
ما هو موقع الحجاب والرأي الديني في هذا البعد من دور المرأة في العلاقة مع الرجل بين المعتقدات القديمة والحديثة؟.
ما هو موقع الحجاب بين ما يتصوره الرجال بأن لهم حقوقهم من عدم تحفيز غريزتهم الجنسية من قبل النساء بسبب ملبسهن وزينتهن خوفاً من يمس ذلك بطهارتهم؟.
هل سيمنع الحجاب حقاً التجاوزات الجنسية أم سيضع المرأة في موقف ضعف دائم بأن الشكوى يمكن أن تعرض سمعتها للخطر في مجتمع يسيطر عليه الرجال؟.

يجب على المجتمع الإجابة على هذه الأسئلة دون الرجوع إلى الوصاية الدينية وعليه التفكير ملياً بظروف المجتمع الاقتصادية والثقافية وحقوق المواطنين أنفسهم الإنسانية. فوق كل ذلك هو ضمان وصيانة الحرية الشخصية لكل إنسان.

المستقبل:
أهم من وضع التشريع بعد الآخر على ملبس وزينة المرأة هنالك حاجة ماسة إلى ثقافة جنسية تتناول السلوك الجنسي والهوية الجنسية ويجب كذلك بداية هذا التعليم من عمر مبكر وقبل سن العاشرة. السبب في ذلك أن أطفال اليوم يدخلون مرحلة البلوغ الجسدي Physical Maturity منذ عمر مبكر، ولكن هذا البلوغ لا يصاحبه بلوغ عاطفي Emotional Maturity الذي لا يدق على أبواب الإنسان حتى منتصف سنوات المراهقة.

إن التوعية في هذا الأمر يجب أن تمتد إلى العائلة وضرورة كلامهم الصريح مع الأطفال عن الثقافة الجنسية وتنبيههم إلى ظاهرة الاعتداء الجنسي. الأهم من ذلك كله يجب على الأب والأم مساندة الطفل والوقوف بجانبه دون تردد وشروط مسبقة.
أما على مستوى المجتمع فهناك حاجة ماسة إلى توعية ثقافية من جميع الجهات المدنية والدينية، حكومية كانت أم لا، لمكافحة هذا الوباء. إن لبس الحجاب لم ولن يمنع الجناة من الاعتداء على النساء وقد يضع المرأة في موقع ضعف.

إن مسألة لبس وزينة المرأة لا تخلو من الإشكال ورد فعل الجمهور أحياناً يعكس لنا بأن الجمهور ذاته هو العلة ويحمل جرثومة يرفض القضاء عليها بلقاح متوفر في كل بيت وعقل إنسان.
قال المصطفى صلاة الله عليه وسلم: أوصيكم بالنساء، فإنهن عندكم عوان. ما كان يقصده الرسول الكريم أن النساء عند الرجال أسيرات، وإن نظرنا اليوم حولنا لتأكد لنا صدق حديثه، ولو بُعث في الناس لنادى بفك قيود الأسر.

http://www.maganin.com/content.asp?contentid=19195