Total Pageviews

Aug 4, 2013

اضطراب السلوك (التصرف)

 


 د.محمد المهدي

تعريفه :
هو النمط المتكرر والثابت من السلوك الذي تنتهك فيه الحقوق الأساسية للآخرين، أو الخروج على الأعراف والقوانين الاجتماعية بشكل خطير ولكي يكون لهذا الاضطراب قيمة تشخيصية فيجب أن يستمر لمدة لا تقل عن ستة شهور .

معدل الانتشار:تتفاوت النسبة بين الذكور والإناث ، حيث يوجد هذا الاضطراب بنسبة 6-16% من الأولاد وبنسبة 2-9% من الإناث تحت سن 18 سنة .
وتزيد نسبة حدوثه في الأطفال الذين يولدون لآباء لديهم اضطراب الشخصية المعادي للمجتمع أو المدمنين ، وتزيد النسبة أكثر في المجتمعات المزدحمة والفقيرة .

الأسباب :لا يوجد سبب واحد مسئول عن اضطراب السلوك وإنما تتضافر عدة أسباب ، نذكر منها ما يلي :
1- عوامل والديه : يلعب الوالدان دوراً هاماً في تحديد صفات وسلوكيات أبنائهم سواءا بقصد أو بدون قصد وحين تسير الأمور داخل الأسرة بشكل عشوائي وتغيب قيمة الصواب والخطأ والثواب والعقاب وتصبح الأمور شديدة الغموض بالنسبة للوالدين والطفل فإن هذه البيئة المضطربة تكون تربة خصبة لاضطراب السلوك . يضاف إلى ذلك وجود خلل نفسي في أحد الوالدين أو كليهما مثل اضطرابات الشخصية أو الإدمان أو المرض النفسي عموماً . وفي مثل هذا الجو يمكن أن يعاني الطفل من الإهمال أو الانتهاك النفسي أو الجسدي أو الجنسي .
وإذا كان الأبوان منفصلين فعلاً أو مجازاً فإن ذلك يضع الطفل في صراع بين رغباتهما المتناقضة يؤدي إلى مشاعر متناقضة وإحباطات وغضب شديد يعبر عنها جميعاً بالسلوك المضطرب .
2- عوامل اجتماعية بيئية: فالأطفال الذين ينشئون في بيئات فقيرة محرومة من الاحتياجات الأساسية ومليئة بالسلوكيات المضطربة كالعدوان وتعاطي المخدرات يصبحون أكثر عرضة لاضطرابات السلوك .
3- عوامل نفسية : مثل:
* اضطراب علاقة الطفل بالأم كأن تكون الأم قاسية أو غير قادرة على إشباع حاجات الطفل البيولوجية والنفسية .
* سيطرة شخصية الأم أو غياب الأب :
فكما يقولون في الحكمة : " الرجل لا يربيه إلا رجل " ، لأن الطفل لكي ينمو سوياً فلابد وأن يكون أمامه نموذجاً للرجل السوي ممثلاً في أبيه ، لذلك فالأطفال الذين يعانون من غياب آبائهم نتيجة للسفر أو العمل لمدة طويلة ربما يكونون عرضة لاضطراب السلوك أكثر من غيرهم .
* الشعور بالإحباط : فالطفل الذي يشعر أنه فاشل وأنه لا يستطيع تحقيق آماله وأحلامه نظراً لصعوبات كثيرة في نفسه ( كضعف إمكانياته وملكاته الجسمانية أو النفسية ) أو في الأسرة التي لا تسمح له بالتعبير عن نفسه فإنه يلجأ إلى السلوكيات العدوانية كتعويض وكنوع من إثبات الذات ومعاقبة الآخرين الذين أحبطوه .
4- استباحة الأطفال وسوء معاملتهم: فالأطفال الذين تعرضوا للإيذاء الجسدي أو الجنسي لفترات طويلة يكونون أقرب لاضطرابات السلوك ، وخاصة إذا كان الطفل غير قادر على التعبير اللفظي عن معاناته حينئذ لا تكون هناك وسيلة للتعبير عن غضبه غير العنف الجسدي .
5- عوامل بيولوجية عصبية: كالوراثة مثلاً بأن يرث الطفل اضطرابات السلوك من أحد أبويه ، أو شذوذ الجينات ( xxy , xyy ) أو اضطراب وظائف المخ بسبب إصابة أو التهاب أو اضطراب في الناقلات العصبية مثل نقص النورأدرينالين وزيادة السيروتونين في الدم .

الخصائص التشخيصية لاضطرابات السلوك كما وردت في الدليل التشخيصي والاحصائي الرابع الأمريكي DSM4 :
أ- نمط متكرر وثابت من السلوك الذي تنتهك فيه الحقوق الأساسية للآخرين ، أو انتهاك خطير للأعراف والقواعد الاجتماعية ، ويتضح هذا بوجود ثلاث أو أكثر من الخصائص التالية في السنة الأخيرة ، مع وجود خاصية واحدة على الأقل في الشهور الستة الأخيرة :
* العنف ضد البشر والحيوانات:
1- غالباً يتنمر على الآخرين أو يهددهم أو يرهبهم .
2- غالباً يبدأ عراكات جسدية .
3- يستخدم أسلحة يمكن أن تسبب أذى جسدياً للآخرين ( مثل المطواة أو الزجاجات المكسورة أو الأسلحة النارية ... إلخ ) .
4- يتعامل مع الناس بقسوة جسدية .
5- يتعامل مع الحيوانات بقسوة جسدية .
6- يسرق في مواجهات مع الضحايا( مثل النتش أو السرقة تحت تهديد السلاح أو السطو المسلح ).
7- إكراه آخر على مواقعته جنسياً .
* تدمير الممتلكات : 8- تورط في إشعال حريق بقصد الإضرار الخطير .
9- دمر ممتلكات الآخرين بطريقة أخرى غير إشعال الحرائق .
* النصب أو السرقة :
10- التهجم بالكسر على منازل الآخرين وسياراتهم .
11- غالباً يكذب ويخدع الآخرين للحصول على طلباته .
12- قام بسرقات دون مواجهات مع الضحايا .
* الانتهاك الخطير للقوانين :
13- غالباً يتأخر خارج البيت ليلاً دون اعتبار لأوامر الوالدين .
14- تكرر مبيته خارج المنزل مرتين على الأقل برغم رفض الوالدين لذلك .
15- غالباً يهرب من المدرسة .

ب- واضطراب السلوك الموصوف آنفاً يسبب خللاً إكلينيكيا واضحاً في الوظائف الاجتماعية أو المدرسية أو الوظيفية .

ج- إذا كان الشخص عمره ثمانية عشر عاماً أو أكثر ، فإن المواصفات لا تتفق مع اضطراب الشخصية المضادة للمجتمع .
ويمكن تصنيف الاضطراب طبقاً للسن كالتالي :
1- النوع ذو البداية في سن الطفولة : قبل سن 10 سنوات .
2- النوع ذو البداية في سن المراهقة: بعد سن 10 سنوات .

ويمكن تصنيف الاضطراب حسب شدته إلى : 1- اضطراب سلوك بدرجة خفيفة : حيث توجد مشاكل سلوكية قليلة تفي بالتشخيص ولكنها تسبب أذى بسيطاً للآخرين .
2- اضطراب سلوك بدرجة متوسطة : حيث تكون شدة المشكلات السلوكية بين الشديدة والخفيفة .
3- اضطراب سلوك شديد الدرجة : حيث توجد مشاكل سلوكية عديدة وتسبب إيذاء شديداً للآخرين ، مثل الإصابات الجسمانية الخطيرة للضحايا أو الانتهاكات الشديدة للقوانين أو السرقات الكبيرة والغياب الطويل عن البيت .

التشخيص الفارق :يجب أن نفرق اضطراب السلوك من الاضطرابات التالية :-
1- اضطراب العناد الشارد : حيث لا يحدث فيه انتهاكات خطيرة لحقوق الآخرين ولا لقيم المجتمع وقوانينه وأعرافه .
2- اضطرابات المزاج : وتظهر فيها بوضوح أعراض الهوس أو الاكتئاب وغالباً ما تكون في صورة نوبات يتخللها فترات سلوك طبيعي .
3- اضطراب ضعف الانتباه فرط الحركة .

المآل ( مصير اضطراب السلوك ) : غالباً ما يسأل الوالدين : ما هو مصير طفلنا الذي تظهر عليه علامات اضطراب السلوك ؟... هل سيتحسن مع الكبر ؟.. أم أنه سيصبح - حين يكبر - في عداد المجرمين ؟ والإجابة هي أن الحالات التي تظهر اضطراباً شديداً في السلوك ستكون عرضة حين تكبر لاضطرابات المزاج وللوقوع في دائرة الإدمان . وإذا وجد اضطراب السلوك وكان معه تاريخ عائلي للسلوك الإجرامي فإن الطفل يصبح مهيئاً لاضطراب الشخصية المضاد للمجتمع .
أما في الحالات البسيطة والمتوسطة وغير المصحوبة باضطرابات نفسية أو خلل في القدرات العقلية فإن مآلها يكون مشجعاً خاصة إذا انتبهت الأسرة لمشكلات الطفل وبادرت إلى التماسك والتكاتف لحلها خاصة في وجود الأب ووجود حالة من الدفء العاطفي داخل الأسرة ووجود حالة من الحب يعيشها الابن أو البنت مع شخص مهم في حياته ( الأب - الأم - المدرس - الأخصائي النفسي أو الاجتماعي - المرشد الديني ) .
وفي بعض الأبحاث وجد أن 75% من هؤلاء الأطفال يتحسنون بعد بلوغ سن العشرين في حين أن 25% يستمر اضطرابهم ويتحول إلى سلوك مضاد للمجتمع .

العلاج :
لا شك أن علاج اضطراب السلوك سيكون متعدد المستويات ومتعدد العناصر ويحتاج لفريق متعدد التخصصات حيث أن المشكلة كما رأينا متعددة المستويات ( بيولوجية ونفسية واجتماعية وروحية ) ، وبالتالي فلا يوجد تدخل علاجي واحد حاسم في هذا الموضوع وإنما كل تدخل سوف يصلح جزءاً من هذا الاضطراب المتعدد .
وبالإضافة إلى تعددية الوسائل العلاجية نحتاج إلى سياسة النفس الطويل والصبر الجميل من المعالجين ومن الأسرة لأن تغيير السلوك المضطرب لا يتم بسرعة وإنما يحتاج إلى مراحل تدريجية مناسبة .
(1) العلاج الوقائي : ويشمل النقاط التالية :
1- تجنب العوامل المؤدية إلى هذا الاضطراب ( والتي ذكرت سلفاً ) كلما أمكن ذلك .
2- الحرص على أن تكون التركيبة الأسرية والاجتماعية راسخة ومرنة في نفس الوقت مما يعطى معالم واضحة للأدوار الاجتماعية للأب والأم والمدرس وعالم الدين ... إلخ .
3- وضوح قواعد الثواب والعقاب والصواب والخطأ في البيئة التي يعيش فيها الطفل ، فهذا يساعد على أن يبني الطفل توقعات مفهومة لسلوكه فينضبط هذا السلوك .
4- الحرص على أن يكون جو الأسرة متسماً بالأمان والاستقرار والحب والسماح ، فهذا يساعد على تكوين صورة إيجابية للحياة لدى الطفل ويرسخ في نفسه معتقدات ومشاعر إيجابية .
5- توافر القدوة الصالحة في حياة الطفل خاصة الوالدين والمدرسين والرموز الدينية والاجتماعية .
6- تفهم احتياجات الطفل البيولوجية والنفسية والاجتماعية ومحاولة إشباعها بشكل متوازن لا يصل إلى حد التخمة ولا يصل إلى حد الحرمان .
7- عقد ندوات ودورات تدريبية وورش عمل للوالدين والمدرسين وكل من يتعامل من الأطفال والمراهقين ، حيث أن كثيراً من هؤلاء ليست لديهم تصورات واضحة عن كيفية تربية الطفل بشكل صحيح وهو ما يعرف بالأمية التربوية .
8- معاملة كل طفل حسب إمكانياته وقدراته وعدم مقارنته ببقية أقرانه حتى لا يشعر بالعجز والدونية والإحباط وبالتالي يصبح غاضباً وعنيداً وعنيفاً .
9- إعطاء الفرصة كاملة للطفل للتعبير عن نفسه وعن قدراته دون قهر أو إلغاء لإرادته أو اختياره ، فالتربية الصحيحة ليست إلغاءً لإرادة الطفل واختياره ، وإنما هي تدعيم للخيارات الصحيحة ومحاولة توعية وتنبيه تجاه الخيارات الخاطئة . فالإنسان ميزه الله تعالى بالإرادة والاختيار ولابد وأن يسمح له أن يكون مريداً ومختاراً حتى في مراحل الطفولة المبكرة لأننا لا نتصور انتزاع ذلك منه حتى يكبر ولو فعلنا ذلك قسراً فإن الطفل إما أن يدخل في عناد معنا فيضطرب سلوكه أو يلغي إرادته واختياره لصالحنا ولا يستطيع استعادتها بعد أن يكبر وبهذا يصير اعتمادياً عديم الإرادة . ولنا في قصة سيدنا نوح مع ابنه عبرة بالغة ، فقد نادى نوح ابنه قائلاً : " يا بني اركب معنا " فرفض الابن هذا النداء وقرر أنه سيأوي لجبل يعصمه من الماء ، فوضح له الأب المشفق عليه والعالم بمصيره أن لا عاصم اليوم من أمر الله ، ولكن الابن أصر على خياره فسلم الأب أمره لله ولم يحاول أن يدفعه للركوب في السفينة قهراً لأنه لو فعل يكون قد ألغى إرادة ابنه واختياره ، وهذا ما لم يقدره الله سبحانه وتعالى للبشر مهما كانت خياراتهم ، فللبشر حدود يقفون عندها ، والله هو وحده القادر على كل شيء " إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء " .
وكثير من الآباء والأمهات يدخلون في صراع مرير مع الأبناء بهدف تغيير إرادتهم أو خياراتهم وهم يعتقدون أنهم لابد وأن يفعلوا ذلك طوال الوقت ليكونوا مطبقين قول الرسول صلى الله عليه وسلم " كلكم راع وككلم مسئول عن رعيته " ، فهم يعتقدون أنهم مكلفين بهداية أبنائهم وهم فعلاً مكلفين بذلك ، ولكن هناك - كما يقول الفقهاء - نوعين من الهداية :
النوع الأول وهو هداية التبليغ ( أي الدعوة والنصح والإرشاد والتعليم ... إلخ ) وهذه يستطيع البشر أن يقوموا بها ، وقد بدأها الأنبياء ويكمل مسيرتهم العلماء والمدرسون والآباء والمربون عموماً ، أما النوع الثاني فهو هداية الفعل وهذه لا يملكها إلا الله الذي أعطى للإنسان حرية الاختيار وحرية الفعل ثم يحاسبه بعد ذلك .
ليس معنى هذا أننا ندعو الآباء والأمهات لأن يتركوا الحبل على الغارب لأبنائهم ، ولكننا ندعو إلى الحزم الطيب وإلى المعاملة الحسنة والقدوة الحسنة التي يحبها الطفل عن اختيار منه وليس عن قهر يعانده .
10- ومن أهم أساليب العلاج الوقائي أن يكون للأسرة ( وكذلك للمجتمع ) مرجعية تربوية واضحة لما هو صحيح أو خطأ ولما هو حلال أو حرام ، وأن يكون مبدأ الثواب والعقاب قائماً ( دونما إفراط أو تفريط ) ، وبذلك يتعلم الطفل القانون الأخلاقي ويصبح هذا القانون جزءاً من ذاته يحكم سلوكه بآلية داخلية فلا يحتاج طول الوقت لتعديل سلوكه من الخارج ، ولكي يحدث استدماج للقانون الديني أو الأخلاقي في شخصية الطفل فلابد أن يحب الطفل هذا القانون من خلال حبه للمربي ، فإذا لم يستطع الطفل أن يحب المربي ( الأب أو الأم أو المدرس أو عالم الدين ) فإنه يرفض هذا القانون ويعتبره شيئاً خارجياً مفروضاً عليه فيقاومه وينتهكه كلما استطاع ذلك .
11- تهيئة المناخ المدرسي لكي يدعم الصفات الإيجابية ويثبط الصفات السلبية .

(2) علاج الحالات المرضية :
* علاج نفسي واجتماعي : ويمكن أن يأخذ أحد الصور التالية أو كلها :
1- إرشاد وتعليم للوالدين حول الأساليب التربوية الصحيحة وكيفية مواجهة المشكلات النفسية لأطفالهم المضطربين .
2- علاج نفسي فردي للطفل وهو إما أن يأخذ مساراً سلوكياً بأن يوضع الطفل في وسط علاجي يدعم فيه الجوانب الإيجابية من خلال نظام التشجيع المعنوي والمكافآت ، ويضعف الجوانب السلبية من خلال نظام الحرمان من بعض المزايا أو التعرض لبعض العقوبات العلاجية ، أو يأخذ مساراً معرفياً بأن يتم تصحيح الأفكار والتصورات الخاطئة التي يبني عليها الطفل سلوكياته المضطربة ، أو يأخذ مسار تدريب على المهارات الاجتماعية الصحيحة التي يحتاجها الطفل للتعامل الصحي مع البيئة المحيطة به .
3- علاج أسري ، حيث تدخل الأسرة بأكملها في العلاج على اعتبار أن اضطراب سلوك الطفل يعكس اضطراباً في الأسرة ككل وأنه لا يمكن إصلاح اضطراب سلوك الطفل إلا بإصلاح المصدر الأساسي لاضطرابه وهو الأسرة ، ويتم هذا من خلال جلسات متعددة للعلاج الأسري يقوم بها معالج متخصص في العلاج الأسري .
4- علاج نفسي جمعي للطفل وسط مجموعة من الأطفال أو للوالدين مع آخرين لديهم مشكلات مشابهة مع أبنائهم . وهذا العلاج يستخدم آليات وتقنيات كثيرة للتغيير من خلال ضغط المجموعة لتغيير السلوكيات المرضية .
5- العلاج المؤسسي ، وذلك بانتزاع الطفل من البيئة المضطربة التي يعيش فيها ويتعلم فيها السلوكيات المرضية ، ووضعه في بيئة علاجية لبعض الوقت من اليوم أو طول الوقت حيث تتاح له فرصة لتعلم مهارات اجتماعية وحياتية صحيحة .

* علاج بالعقاقير :كان من المعتقد قبل ذلك أن العقاقير ليس لها دور في تغيير السلوكيات المضطربة ، ولكن الأبحاث والدراسات في السنوات الأخيرة شجعت استخدامها للسيطرة على كثير من الأعراض المزعجة مثل العنف والاندفاع وكثرة الحركة . ومما زاد من احتمالات الاستفادة من العقاقير أن هناك نسبة غير قليلة من الأطفال مضطربي السلوك يعانون من حالات اكتئاب أو قلق وغالباً ما يعبر الطفل عن اكتئابه وقلقه في صورة اضطرابات سلوكية ولذلك تلعب مضادات الاكتئاب والقلق دوراً هاماً في مثل هذه الحالات .
وحالياً تستخدم مضادات الذهان في علاج السلوك العدواني والأمثلة على ذلك : الهالوبيريدول ( السافيناز ) والريسبيريدون ( ريسبيريدال ، أبيكسيدون ، زيسبيرون ) .
ويستخدم الليثيوم ( بريانيل ) لعلاج العنف عند الأطفال سواء كان ذلك ضمن منظومة اضطراب وجداني ثنائي القطب أو خارجها .
وهناك بعض الدراسات التي تقترح استخدام الكاربامازيبين ( تيجريتول ) للسيطرة على نوبات العنف أو السلوك المضطرب عموماً خاصة إذا كان يحدث على شكل نوبات .
وتستخدم مضادات الاكتئاب ثلاثية الحلقات أو مانعات استرداد السيروتونين النوعية لعلاج حالات الاكتئاب وبالتالي تتحسن اضطرابات السلوك الناتجة عنها ، وتستخدم أيضاً مضادات القلق وخاصة بوسبيرون ( بوسبار ) لعلاج القلق وما يصاحبه من اضطرابات سلوكية .

الكاتب: د.محمد المهدي
http://www.gulfkids.com/ar/index.php?action=show_res&r_id=18&topic_id=1707

الحب الأول بين التراث والحقيقة السيكولوجية

د.عامر صالح


الحب الأول هو تلك التجربة الوليدة الأولى في الانجذاب والعيش مع الجنس الآخر, في علاقة يفترض أن يكون قوامها: الميل الوجداني للمحبوب, والإحساس بالارتباط الشديد به, والشوق والحنين إليه, والرغبة في الاقتراب الأبدي منه, والشعور بالعذاب والضياع والغربة في حالة البعد عنه. حتى كأن زخمه وحدة المشاعر التي ترافقه يترك لنا انطباعا أوليا بأنه قدرا غيبيا محتوما يجري خارج إطار سنة النمو البيولوجية والسيكولوجية والمعرفية والحضارية.

في السيكولوجية المعاصرة فأن الحب الأول لا يجري على نسق المسلسلات التلفزيونية أو قصائد الغزل والأفلام التي تزج به كمفهوم غامض غير مفهوم بيولوجيا وسيكولوجيا, وكأنه يحصل بإرادة ما ورائية ـ  ألاهية . كما أن التشبث به ومحاولة إبقاءه حبا أولا وأخيرا دون فهم مبرراته ودوافع الانحياز إليه يضيف معاناة حقيقة غير مبررة لطرفي العلاقة, خارج إطار فهم مسيرته الإنمائية وطبيعته التجريبية الناشئة من الأولويات البدائية الإنمائية الداخلية ذات الصلة بالحاجة إليه كتجربة أولى !!!.

قد يولد الحب الأول وهو يحمل بذور فشله في رحم ولادته, حيث الحب الأول هنا كبداية لتجربة تراكمية يجري كما تجري صيرورة الأشياء في فحوى التراكمات الكمية في إطار تحولها إلى فعل نوعي في التجربة, وان حضور الحب بثلاثيته ( الألفة, والعاطفة, والقرار أو الالتزام ) هو الأهم في كل تجربة حب جديدة, دون التغني بآثار الماضي وتداعياته الناتجة من حداثة التجربة وانعكاساتها الأولى, فلكل تجربة خصوصيتها, وبالتالي كل تجربة هي أولى وخاصة بما تحمله من مستجدات !!!.

وقد وجد الحب الأول انعكاساته في التراث العالمي والعربي, من شعر و آداب وفنون مختلفة, ففي التراث العربي انقسم الناس في فهم الحب الأول, فمنهم من رآه هو الحب الأول والأخير ولا يأتي بعده حب بمنزلته, كما قال أبو تمام ( 188 هجرية ـ 231 ):

نقل فؤادك حيث شئت من الهوى .. ما الحب إلا للحبيب الأول

كم منزل في الأرض يألفه الفتى... وحنينه أبدا لأول منزل

ولكن هناك فريق آخر يرى إن الحب الأول تجربة انقضت, وان الحب الحقيقي والواقعي للحبيب الآخر حيث يعيش المرء في كنفه ويشعر به, كما قال العلوي الأصبهاني ( المتوفى 322 هجرية ):

دع حب أول من كلفت بحبه .... ما الحب إلا للحبيب الآخر

ما قد تولى لا ارتجاع لطيبه ... هل غائب اللذات مثل الحاضر

وقال ديك الجن ألحمصي ( 161 هجرية ـ 236 ):

أشرب على وجه الحبيب المقبل ... وعلى الفم المتبسم المتقبل

شربا يذكر كل حب آخر... غض وينسى كل حب أول

نقل فؤادك حيث شئت فلن ترى ... كهوى جديد أو كوصل مقبل

كما يرى آخرون اختلاط المشاعر بين الإبقاء على الحب الأول وضرورات الحب الآخر, كما يقول الشاعر:

قلبي رهين بالهوى المقتبل ... فالويل لي في الحب إن لم اعدل

أنا مبتلى ببليتين من الهوى ... شوق إلى الثاني وذكر الأول

وخلاف ذلك ذهب البعض إلى أن الحبيب من تحبه الآن وليست فيه أول أو آخر, كما يقول الشاعر:

الحب للمحبوب ساعة حبه ... ما الحب فيه لآخر ولأول

أما التراث العالمي فهو الآخر تناول تجارب الحب الأول باعتبارها حالات إنسانية قائمة على حقائق التجربة الأولى ودوافعها السيكولوجية والاجتماعية, إلى أن الزخم الأكبر أعطي لطاقة الحب والحاجة إليه لظروف البقاء والاستمرار, بغض النظر عن ترتيبه الشكلي, إن كان حب أول أو ثاني, وهكذا أنتج الأدب العالمي أشهر الروايات والقصص الرومانسية في الحب التي جمعت بين النزعات المثالية والحسية والواقعية, والتي لا تزال خالدة اليوم, ويستعين بمادتها في الأفلام العالمية, والتي عبرت عن الحب باعتباره حقيقة وجودية, وليست فقط تجربة فردية محدودة النطاق والتعبير أو محصورة بين فردين. ومن ابرز هذه الأعمال العالمية, على سبيل المثال لا الحصر, هي:

رواية ( كبرياء وتحامل ) لجين أوستين, ورائعة الأدب الروسي ( أنا كارنينا ) لليو تولستوي, ورواية ( جين إبر ) لتشارلوت برونت, وقصة ( آوت لاندر ) لديانا جيبلدون, ورواية ( قصة حب ـ لوف ستوري ) لأيريش سيجال, وقصة ( المذكرة ـ نوتي بوك ) للكاتب الأمريكي نيكولاس سباركس, وقصة ( ملحوظة: أنا احبك ) للكاتبة الايرلندية سيسيليا أهيرن, وقصة ( مون ـ سباينر ) لماري ستيوارت, وقصة ( شيء مستعار ) لإيميلي جيفن وغيرها من القصص والروايات العالمية التي يصعب حصرها في هذا المقام.

وقد تحدث الكثير من الفلاسفة والشعراء والأدباء العالميين عن الحب باعتباره أولا حاجة إنسانية وطاقة داخلية فياضة, دون النظر إلى ترتيبته في سلم تجارب الحب الشخصية, فقد أكد الشاعر والفيلسوف فولتير ( 1694 ـ 1778 ) بقوله : " الحب من دون سائر العواطف أشدها فهو يهاجم في آن واحد الرأس والقلب والحواس ", وكذلك أكد بلزاك ( 1799 ـ  1850 ) الروائي والكاتب المسرحي ومؤسس الواقعية في الأدب الأوربي: " أن الحب كالموت لا يعترف بالطبقات ولا بالثروة ولا بالحياة " في معرض فهمه للحب كحاجة إنسانية خارج إطار الانتماءات الأخرى الضيقة, أما الشاعر والروائي والكاتب المسرحي الألماني غوتة ( 1749 ـ 1832 ) فقد قال في سياق التضحية في الحب: " الحب يكون أقوى عندما يعطي أكثر مما يأخذ ", ولعل في قول نزار القباني ( 1923 ـ 1998 ) عن لانهائية الحب وتأصله في الذات الإنسانية أجمل ما عبر عنه بكلامه: " الحب ليس رواية شرقية بختامها يتزوج الأبطال لكنه الإبحار دون سفينة وشعورنا أن الوصول محال ", إلى جانب الكثير من الفلاسفة والأدباء الذين قالوا في الحب وأهميته, ولم يتحدثوا عن قطعية ووحدانية الحب الأول, والذين يصعب حصرهم في هذا الحديث المتواضع عن الحب !!!!.

وتشير اغلب الدراسات الاجتماعية الميدانية والمقابلات الاستطلاعية إلى أن فرص الحب الأول في النجاح والاستمرار هي فرص محدودة جدا, وينتهي اغلبها بالفشل رغم بقائه لصيقا في الذاكرة الوجدانية والعاطفية للفرد, كما يرى فيه آخرون انه تجربة لابد منها وتمرس مطلوب يغني الشخصية لاحقا في ممارسة الحب بشكل أفضل, والبعض الآخر لا يعترف أصلا بضرورات الحب الأول أو بالحب عموما قبل الزواج, وأن بإمكان الزواج ينتج الحب الحقيقي خلال مسيرته, وهناك من لا يعترف بما يسمى بالحب الأول وهي مجرد تسمية لسبق زمني, وان كل حب هو أول بخصوصيته وطبيعته المميزة عن سابقه مادام مستمرا وحاضرا ويحمل مبررات البقاء, فإذا ما انتهى انتهت معه تسمياته بأول أو ثاني, وهناك فريق مغاير لا يحبذ أصلا استخدام كلمة " حب " في وصف التجربة الأولى ويعتبره مجرد إعجاب عام ولا تنطبق عليه تسمية الحب الأول, فهو كعابر سبيل يطرق الباب في لحظة ما ثم يختفي سريعا رغم بقاء آثاره الذاكروية. وتشير الكثير من الملاحظات أن الأنثى أكثر تأثرا من الذكر بما يقع فيه من آثار ايجابية أو فشل التجربة, وهو ناتج من أن الأنثى أكثر تعقلا في الحب وأقل رومانسية من الرجل, ويرتبط الحب لديها بما فيه الأول بأهداف مستقبلية ورغبة في الاستقرار والزواج ( وخاصة في البيئات الثقافية والاجتماعية والحضارية التي يكون الحب فيها محظورا بشكل عام, وبالأخص على المرأة ). وعلى العموم هناك ضبابية في إدراك أسباب الحب الأول ومبرراته ودافعيته السيكولوجية وأسباب فشله !!!!.

من الناحية السيكولوجية يقع الحب الأول في معظمه في فترة إنمائية حرجة من عمر الإنسان وهي فترة المراهقة, وهي الفترة التي ينتقل فيها الفرد من طفولة هادئة إنمائيا إلى بداية فترة مشوبة بالتغيرات الهرمونية والجسمية وبداية تشكل ملامح النضج الجنسي في بداية هذه المرحلة, وبالتالي فأن الاحتفاظ أو المطالبة بتوازن ثابت في هذه المرحلة هو أمر غير طبيعي. لا يوجد اتفاق ثابت على تحديد متفق عليه بصدد الفترة الزمنية التي يشغلها دور المراهقة, وعلى العموم فان معدل سن هذه الفترة يمتد من الثانية عشر وحتى العشرين, غير إن هنالك من يعتبر هذا السن بين العاشرة والحادية والعشرين في الفتاة وبين الثانية عشر والسادسة والعشرين في الفتى, وذلك نظرا لان الفتاة تصل البلوغ قبل الفتى, كما أن نضجها العاطفي يكتمل قبل الفتى. وإذا اختلف الباحثون في طول الفترة وبدايتها ونهايتها, فأنهم يتفقون تماما بأن سن البداية يطابق سن البلوغ. وتتأثر بداية البلوغ ونهايته بعوامل كثير, كالثقافة والبيئة الاجتماعية المحفزة, كما يتأثر بالتغذية والموقع الجغرافي, ويختلف من حضارة إلى أخرى وبموقف المجتمع من الممارسات الجنسية ومستوى التسامح في التعبير عنها, ولذلك نجد مثلا النضج المبكر في المناطق الحارة, والمتأخر في المناطق الباردة, وكذلك طول فترة المراهقة في البلدان المتقدمة, وانحسارها في البلدان المتخلفة حيث ينتقل فيها الفرد بسرعة من الطفولة إلى الرجولة وتحمل الأعباء الاجتماعية والاقتصادية مبكرا !!!!.

وفترة المراهقة هذه هي ليست فترة واحدة بمواصفات متشابهة تماما, لذا ارتأى علماء النفس تقسيمها إلى مراحل أو حلقات داخلية من النمو متصلة مع بعضها البعض,. وابرز هذه التقسيمات هو التقسيم الثلاثي لهذه المرحلة, هو: المرحلة الأولى, مرحلة البلوغ أو بداية المراهقة باعتبارها عملية بيولوجية ـ هرمونية وما يرتبط بها من تغيرات عاطفية, ويكون الدافع الجنسي هنا طاقة بالغة القوة, تعبر عن نفسها بشعور بالضيق والاحتقانات ومحاولات التفريغ بأي شكل من الأشكال؛ ومرحلة المراهقة المتوسطة, ويقع هذا الدور بين مرحلة المراهقة التي تتصف بالتحولات المفاجئة والسريعة في النمو الجنسي والجسمي, وبين المرحلة النهائية من المراهقة التي يقف فيها المراهق أو المراهقة على مشارف الرجولة أو الأنوثة وعتباتها, ويمتد هذا الدور عادة مابين الخامسة عشر والثامنة عشر, وهو لا يختلف عن الدور الذي قبله أو الذي يليه إلا من حيث تأكيد أو غلبة بعض الدوافع المحركة للسلوك أو العاطفة, ومن الناحية الجنسية يشتد اهتمام المراهق نحو هدف من الجنس الآخر, سواء كان ذلك بالاهتمام المباشر أو بالخيال والتصور؛ أما المرحلة الثالثة فهي المراهقة المتأخرة والتي تقع بين سن السابعة عشرة وحتى تحمل الفرد المسؤولية الحياتية, و تتسم هذه المرحلة بظهور قدرة جديدة وعنيفة من الرغبة الجنسية, وتتبلور المعالم الأساسية التي ستميز المراهق في رجولة أو أنوثة المستقبل من حيث النضوج العاطفي والنمو في مجال الدوافع الجنسية الذي ينعكس في المقدرة على تجاوز الصراعات الجنسية السابقة واستبدالها بتجارب جنسية ناضجة وطبيعية, ويظهر هنا بشكل اكبر وأكثر تنظيما من المراحل السابقة الحاجة التي تأكيد الهوية الشخصية أو الذاتية !!!!.

وتشكل عملية تشكيل الهوية الشخصية للمراهق, وخاصة في المرحلتين الثانية والثالثة من المراهقة هاجس لا ينقطع, رغم بدايتها المبكرة في حياة الطفل, إلا إنها تأخذ طابع أكثر وضوحا في فترة المراهقة وأكثر تشددا في تأكيد " أنا ", حيث يشعر المراهق أو المراهقة أن البيت والعلاقات الأسرية أصبحت ثقلا لا يطاق, ومن هنا تنشأ حالات التمرد وعدم الاستجابة للضغوط الأسرية, سواء في مجتمعاتنا أم المجتمعات الغربية, باختلاف مظاهر التعبير. وتشكل عملية الاندفاع لإقامة العلاقات مع الجنس الآخر ارتباطا بالنمو الجنسي, احد مظاهر التعبير عن الاستقلالية والتمرد على البيئة المحيطة زائدا الحاجة البيولوجية لإقامة هذه العلاقات في ضوء الإلحاح المتزايد للدافع الجنسي في إشباعه والبحث عن منافذ للتفريغ حسب ما تتيحه الثقافات المختلفة وحدودها المتاحة لذلك !!!!.

ومن هنا ينشأ الحب الأول ضمن دائرة صراع بين إثبات الذات بأي ثمن وضمن اندفاعات الحاجة البيولوجية. ومن هنا ايضا تنشأ صعوبة الإطلاق عليه "حبا " في إطار مكونات الحب الثلاث: ( الألفة, والعاطفة, والقرار أو الالتزام ), فهو ينشأ مركزا على العاطفة البحتة" أي الارتباط بالآخر جنسيا وجسديا " ومفرغا أو ضعيفا من عنصري الألفة, والقرار والالتزام ", وخاصة في المرحلة الأولى والثانية من المراهقة. أما في المرحلة الثالثة من المراهقة فقد يكون مشبعا بقدر ما من عوامل الألفة, والقرار والالتزام, إلا أن كلا المكونين يقعان تحت تأثير إرهاصات الدافع الجنسي, وبالتالي هو الآخر مهدد بمقدار ما من الفشل. وهكذا يقع ما يسمى " بالحب الأول " ضمن دائرة التجريب واكتشاف الدور خارج إطار الحاجة إليه,غير مشبعا بعوامل الحب الأنفة الذكر. وهكذا يولد الحب الأول مهددا بالفشل قبل مخاض ولادته. أما حالات النجاح فيجري الإحساس بها على قدر تشبعها بعوامل الحب الثلاث !!!!!.